lundi 25 mai 2015

ذات مرة و أنت خارج حدود المدينة ، تتعرف على أحد أبناء طبربة ، أبناء العصر الذهبي للمدينة ، و تتداولون أطراف الحديث عن ماضي المدينة المجيد و حاضرها الكئيب.
هو رجل في 80 من عمره ، شاءت الأقدار أن  يغادر المدينة و ينتقل للعيش الى مدينة آخرى ، أن يستقر و يأسس عائلة و حياة جديدة هنالك.
تحاول قدر الإمكان الاستماع الى ما يقوله هذا الرجل ، الاختلاء بذاكرته ، و  استنطاقها عن أي معلومات ، عن أي حدث أو لحظة مرت و لم تدونها سوى ذاكرة شخصية لرجل يحب البلاد و يحن الى سنين خلت .
كانت لحظة جميلة مع هذا الرجل ، و ما زاد جمالها بكائه ،،، ألمه لحاضر المدينة و لبئسها ، القلوب التي تغيرت و الكراهية التي تفشت بين أبناء الحي الواحد و الزنقة الواحدة ،،، شوارع المدينة التي اغتصبت و تداول على النيل منها التصرفات اللامسؤولة و اللاحضرية للسكان الجاهلين بعراقة مدينتهم ،،، حالة بطحاء السوق الكارثية ، المقاهي ، و المساجد كيف هجرها طلاب العلم و أصبحت مرتعا للتجاذبات السياسية و مكانا للفتنة و التفريق بين أبناء الدين الواحد .
أحسست بخجل هذا الرجل و الدمع يذرف من عينيه أثناء الحديث ،،، و لقد زاد أسفه كثيرا  لما تذكر المدينة و أجوائها  خاصة أيام الخميس و الجمعة و السبت ، فإبتداءا من يوم الخميس يرجع أبناء المدينة الطلبة و التلميذ من مقاعد الدراسة خاصة من بنزرت و الحاضرة خصيصا لمتابعة الدروس الدينية للشيخ سيدي الحبيب و صلاة الجمعة في اليوم التالي.
قال ، يا بني طبربة كانت قبلة أبناء الحاضرة و ضواحيها لاقامة عشوية في مقهى شهير و في بطحاء السوق ، لاقتناء الحليب و الريقوة الطازجة و التمتع بماءها الحلو ،،، يا بني طبربة كانت تدعى العامرة و ملي أنت داخل تشوف البركة و الخير في وجوه ناسها .
واصل الرجل حديثه و هذه المرة عن كرة القدم و شبيبة طبربة ،وعن المقابلات البطولية التي قام بها أبناء الشبيبة ، عن المسؤول الذي كان يدفع من جيبه من أجل الفريق و عن شهادات كبار كرة القدم التونسية حول قيمة هذا النادي و لاعبيه ،،، حتى شعار النادي الحالي الأحمر و الأبيض فهو مستوحى من شعار النادي الافريقي اذ كان لاعيبوه يقومون بزيارات  لمدينة طبربة و إقامة التمارين الرياضية في الملعب البلدي بطبربة .
لحظات جميلة انتهت مع ذهاب هذا الرجل بذهاب كل واحد فينا حال سبيله ، و لعل من خلالها سيبنى تاريخ طبربة لهذه الفترة ، من خلال هذه اللحظة سيكتب تاريخ طبربة ، هذا الأرشيف الشفوي ، هذه الذاكرة ، هذا الخطاب على لسان هذا الرجل الذي يتمتع بتجربة فردية سيملأ الفراغات التي قد توجد في التاريخ المكتوب لطبربة و يصحح بعض المعلومات و الأحداث ، كما سيضيف الكثير من الجديد عليها .

لكن محاولتي لكتابة البعض من تاريخ مدينتنا يصطدم دائما بعوائق عديدة ، فكبارات البلاد رحمهم الله ، و حتى من بقى منهم على قيد الحياة فذاكرتهم ضعيفة و هو ما يجعلهم غير قادرين على إعادة تركيب الأحداث بطريقة واضحة و تسلسل منطقي.