ذات
مرة و أنت خارج حدود المدينة ، تتعرف على أحد أبناء طبربة ، أبناء العصر الذهبي
للمدينة ، و تتداولون أطراف الحديث عن ماضي المدينة المجيد و حاضرها الكئيب.
هو
رجل في 80 من عمره ، شاءت الأقدار أن
يغادر المدينة و ينتقل للعيش الى مدينة آخرى ، أن يستقر و يأسس عائلة و
حياة جديدة هنالك.
تحاول
قدر الإمكان الاستماع الى ما يقوله هذا الرجل ، الاختلاء بذاكرته ، و استنطاقها عن أي معلومات ، عن أي حدث أو لحظة
مرت و لم تدونها سوى ذاكرة شخصية لرجل يحب البلاد و يحن الى سنين خلت .
كانت
لحظة جميلة مع هذا الرجل ، و ما زاد جمالها بكائه ،،، ألمه لحاضر المدينة و لبئسها
، القلوب التي تغيرت و الكراهية التي تفشت بين أبناء الحي الواحد و الزنقة الواحدة
،،، شوارع المدينة التي اغتصبت و تداول على النيل منها التصرفات اللامسؤولة و
اللاحضرية للسكان الجاهلين بعراقة مدينتهم ،،، حالة بطحاء السوق الكارثية ،
المقاهي ، و المساجد كيف هجرها طلاب العلم و أصبحت مرتعا للتجاذبات السياسية و
مكانا للفتنة و التفريق بين أبناء الدين الواحد .
أحسست
بخجل هذا الرجل و الدمع يذرف من عينيه أثناء الحديث ،،، و لقد زاد أسفه كثيرا لما تذكر المدينة و أجوائها خاصة أيام الخميس و الجمعة و السبت ، فإبتداءا
من يوم الخميس يرجع أبناء المدينة الطلبة و التلميذ من مقاعد الدراسة خاصة من
بنزرت و الحاضرة خصيصا لمتابعة الدروس الدينية للشيخ سيدي الحبيب و صلاة الجمعة في
اليوم التالي.
قال ،
يا بني طبربة كانت قبلة أبناء الحاضرة و ضواحيها لاقامة عشوية في مقهى شهير و في
بطحاء السوق ، لاقتناء الحليب و الريقوة الطازجة و التمتع بماءها الحلو ،،، يا بني
طبربة كانت تدعى العامرة و ملي أنت داخل تشوف البركة و الخير في وجوه ناسها .
واصل
الرجل حديثه و هذه المرة عن كرة القدم و شبيبة طبربة ،وعن المقابلات البطولية التي
قام بها أبناء الشبيبة ، عن المسؤول الذي كان يدفع من جيبه من أجل الفريق و عن
شهادات كبار كرة القدم التونسية حول قيمة هذا النادي و لاعبيه ،،، حتى شعار النادي
الحالي الأحمر و الأبيض فهو مستوحى من شعار النادي الافريقي اذ كان لاعيبوه يقومون
بزيارات لمدينة طبربة و إقامة التمارين
الرياضية في الملعب البلدي بطبربة .
لحظات
جميلة انتهت مع ذهاب هذا الرجل بذهاب كل واحد فينا حال سبيله ، و لعل من خلالها
سيبنى تاريخ طبربة لهذه الفترة ، من خلال هذه اللحظة سيكتب تاريخ طبربة ، هذا
الأرشيف الشفوي ، هذه الذاكرة ، هذا الخطاب على لسان هذا الرجل الذي يتمتع بتجربة
فردية سيملأ الفراغات التي قد توجد في التاريخ المكتوب لطبربة و يصحح بعض
المعلومات و الأحداث ، كما سيضيف الكثير من الجديد عليها .
لكن
محاولتي لكتابة البعض من تاريخ مدينتنا يصطدم دائما بعوائق عديدة ، فكبارات البلاد
رحمهم الله ، و حتى من بقى منهم على قيد الحياة فذاكرتهم ضعيفة و هو ما يجعلهم غير
قادرين على إعادة تركيب الأحداث بطريقة واضحة و تسلسل منطقي.